الخميس، ١٩ يونيو ٢٠٠٨

علوم الحديث من حيث القبول أو الرّد 1



علوم الحديث من حيث القبول أو الرّد

ونقسم أبحاث هذا النوع إلى قسمين:


أ-القسم الأول: أنواع الحديث المقبول.

الحديث الصحيح
هو الحديث الذي اتصل سنده بنقل العدل الضابط ضبطاً كاملاً عن العدل الضابط إلى منتهاه، وخلا من الشذوذ والعلة.

شرح التعريف:

-الاتصال: ومعناه أن يكون كل واحد من رواة الحديث سمع ممن فوقه حتى يبلغ قائله.

-العدالة في الرواة: الملكة التي تحث على التقوى، وتحجز صاحبها عن المعاصي والكذب وما يخل بالمروءة.


- الضبط: نوعان:

ضبط صدر: وهو أن يسمع الراوي الحديث من الشيخ ثم يحفظه في صدره، ويستحضره متى شاء. وضبط كتاب: وهو أن يسمع الراوي الحديث من الشيخ ثم يكتبه في كتاب عنده ويصونه من التحريف والتبديل.

-الخلو من الشذوذ بأن لا يخالف الثقة من هو أوثق منه من الرواة.

- الخلو من العلة: وهي سبب يطرأ على الحديث فيقدح في صحته مع أن الظاهر السلامة منها.


ووجه دلالة هذه الشروط الخمسة على صحة الحديث: أن العدالة والضبط يحققان أداء الحديث كما سمع من قائله، واتصال السند على هذا الوصف في الرواة يمنع اختلال ذلك في أثناء السند، وعدم الشذوذ يحقق ويؤكد ضبط هذا الحديث الذي نبحثه بعينه وأنه لم يدخله وهم، وعدم الإعلال يدل على سلامته من القوادح الخفية.


حكم الحديث الصحيح:
أجمع العلماء من أهل الحديث ومَنْ يُعْتَدُ به من الفقهاء والأصوليين على أن الحديث الصحيح حجةْ يجب العمل به، سواء كان راويه واحدا لم يروه غيره، أو رواه معه راو آخر، أو اشتهر برواية ثلاثة فأكثر.

الصحيح لغيره الصحيح الذي سبق تعريفه هو الذي بلغ درجة الصحة بنفسه دون أن يحتاج إلى ما يقويه، ويسميه العلماء الصحيح لذاته. وهذا لا يشترط للحكم بصحته أن يكون عَزيزاً أي أن يُرْوّى من وجه آخر.


أما الصحيح لغيره: فهو الحديث الحسن لذاته إذا روي من وجه آخر مثله أو أقوى منه بلفظه أو بمعناه، فإنه يقوى ويرتقي من درجة الحسن إلى الصحيح، ويسمى الصحيح لغيره لأن الصحة لم تأت من ذات السند، وإنما جاءت من انضمام غيره له.

مرتبته: هو أعلى مرتبة من الحسن لذاته، ودون الصحيح لذاته.


أصح الأسانيد: واختلفوا في ذلك على أقوال كثيرة، والصحيح في هذه المسألة أنه لا يقال عن إسناد: إنه أصح الأسانيد مطلقاً، إلا مع التقييد بالصحابي أو بالبلد.

مقيداً بالصحابي:مثاله: أصح الأسانيد عن أبي بكر: ما رواه إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن حازم، عن أبي بكر.

مقيداً بالبلد: أصح أسانيد المكيين: ما رواه سفيان بن عينية، عن عمر بن دينار، جابر بن عبد الله.

وهناك من يقول:


1- أصح الأسانيد : مالك عن نافع عن ابن عمر. 2- أصحها : محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه. 3-4 أصحها: محمد بن سيرين بن عَبِيدة السلماني عن علي. 5- سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود.

أصح أحاديث الباب وأحسن: يوجد في كلام المحدثين قولهم: "أصح شيء في الباب كذا" أو "أحسن شيء في الباب كذا". ويكثر ذلك في جامع الترمذي، وفي تاريخ البخاري. ولا يلزم صحة الحديث ولكن قد يكون ضعيفاً ومرادهم بذلك الأرجح أو الأقل ضعفاً أو الأحسن أو الأمثل.

مصادر الحديث الصحيح


1- الموطأ: مؤلفه الإمام مالك بن أنس الفقيه المجتهد نجم الآثار النبوية ، من كبار أئمة المسلمين ، ومن فقهاء المدينة الذين تحققت بهم كلمة النبي صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أحدا أعلم من عالم المدينة " [ أخرجه النرمذي ].

2- الجامع الصحيح للبخاري: مؤلفه: الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري الجُعْفيّ وَلاءً . ولد سنة 194 بخزتنك قرية قرب بخارَى ، وتوفي فيها سنة 256 هـ. وبدت عليه علائم الذكاء والبراعة منذ حداثته: حفظ القرآن - وهو صبي- ثم استوفى حفظ حديث شيوخه البخاريين ونظر في الرأي وقرأ كتب ابن المبارك حين استكمل ست عشرة سنة، فرحل في هذه السن إلى البلدان وسمع من العلماء وأكب عليه الناس وتزاحموا عليه ولم تطلع لحيته.


3- صحيح مسلم: مصنفه الإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري ولد بمدينة نيسابور سنة 206 هـ وتوفى بها سنة 261هـ. كان إماما جليلا مهابا، وكان غيوراً على السنة والذب عنها، تتلمذ على البخاري وأفاد منه ولازمه. وهجر مِنْ أجله من خالفه، وكان في غاية الأدب مع إمامه البخاري.

4- صحيح ابن خُزَيْمَة : للإمام المحدث الكبير أبي عبد الله أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، المتوفى سنة إحدى عشرة وثلاثمائة (311هـ). وقد عُرِفَ بالتحري، حتى انه يتوقف في التصحيح لأدنى كلام في الإسناد، فيقول: (( إن صح الخبر )) أو (( إن ثبت كذا )) ونحو ذلك.

5- صحيح ابن حِبّان:للإمام المحدث الحافظ أبي حاتم محمد بن حِبّان البُسْتي، المتوفى سنة (354هـ) تلميذ ابن خزيمة، ويسمى كتابه هذا: ((التقاسيم والأنواع )). هذان الكتابان صحيحا ابن خزيمة وابن حبان اشترط صاحباهما الصحة فيما يخرجانه فيهما، إلا أن العلماء لم يجمعوا عليهما بل وقعت انتقادات لأحاديث فيهما تساهلا في تصحيحها.

6- المختارة، للحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي المتوفى سنة (643هـ)، وهو كتاب التزم ما يصلح للحجية. لكن انتقد على الكتاب تصحيح أحاديث لا تبلغ رتبة الصحة، بل ولا رتبة الحسن.

الحديث الحسن:

هو الحديث الذي اتصل سنده بنقل العدل الذي قل (خفَّ) ضبطه عن مثله إلى منتهى من غير شذوذ ولا علة.


الحسن لغيره: هو الحديث الضعيف إذا روى من طريق أخرى أقوى منه.



حكم الحسن: الحسن بنوعيه يشارك الصحيح في الاحتجاج والعمل به عند جميع الفقهاء وأكثر المحدثين، وإن كان دونه في القوة.
الحسن لغيره:هو الحديث الضعيف إذا تعددت طرقه، ولم يكن سبب ضعفه فسق الراوي أو كذِبهُ.

يستفاد من هذا التعريف أن الضعيف يرتقي إلى درجة الحسن لغيره بأمرين هما:

أ) أي يُروى من طريق آخر فأكثر، على أن يكون الطريق الآخر مثله أو أقوى منه.

ب) أن يكون سبب ضعف الحديث إما سوء حفظ راويه أو انقطاع في سنده أو جهالة في رجاله.

مرتبته: الحسن لغيره أدنى مرتبة من الحسن لذاته. وينبني على ذلك أنه لو تعارض الحسن لذاته مع الحسن لغيره قُدِّمَ الحسنُ لذاته.
ألقاب الحديث المقبول:
كثيراً ما يستعمل المحدثون للدلالة على قبول الحديث ألقاباً غير قولهم: ((صحيح))، أو قولهم: ((حسن))، مثل ((الجيد))، و((القوي))، و ((الصالح))، و ((المعروف))، و ((المحفوظ))، و ((المُجَوَّد))، و ((الثابت)).

فأما الجيد، فقد قرر الحافظ ابن حجر أنه لا مغايرة بين صحيح وجيد عندهم، إلا أن الجهبذ منهم لا يعدل عن صحيح إلى جيد إلا لنكتة، كأن يرتقى الحديث عنده عن الحسن لذاته، ويتردد في بلوغه الصحيح، فالوصف به أنزل رتبة من الوصف بصحيح، وكذا القوي.

وأما الصالح، فيشمل الصحيح والحسن لصلاحيتهما للاحتجاج بهما، ويستعمل أيضاً في ضعيف ضعفاً يسيراً لأنه يصلح للاعتبار. وأما المعروف فهو مقابل المنكر، والمحفوظ مقابل الشاذ. والمجوّد والثابت يشملان أيضاً الصحيح والحسن.

مصادر الحديث الحسن
وأهم مصادر الحديث الحسن: السنن الأربعة، والمسند للإمام أحمد، ومسند أبي يعلى الموصلى، نعرف بها فيما يلي:

1- "الجامع" للإمام أبي عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرَة الترمذي، المولودسنة 209 هـ والمتوفى سنة 279 هـ. وكان الترمذي من خواص تلامذة البخاري، شهد له العلماء بالعلم والحفظ والمعرفة، وبالديانة والورع، حتى إنه لغلبه الخشية عليه كُفَّ بصره آخر عمره بسبب البكاء من خشية الله تعالى.

2- "السنن" للإمام أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني المولود سنة (202 هـ) والمتوفى سنة (273هـ). وأبو داود من تلامذة البخاري أيضاً، أفاد منه وسلك في العلم سبيله، وكان يشبه الإمام أحمد في هديه ودله وسمته.

3- "المجْتَبَى" للإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي المولود سنة (215هـ) والمتوفى (303هـ) . قال الدارقطني: (( أبو عبد الرحمن مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره )). ((كان النسائي إماماً حافظاً ثبتا )).

4-"سنن المصطفى" لابن ماجه محمد بن يزيد القزويني الحافظ الكبير المفسر، ولد سنة (209هـ) وتوفي سنة (273). (( ابن ماجة ثقة كبير متفق عليه، محتج به، له معرفة وحفظ ...)).

5- "المسند" للإمام المبجل أحمد بن حنبل، إمام أهل السنة والحديث، ولد سنة (164) وتوفي (241). قال الشافعي: ((خرجت من بغداد فما خلفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقه من أحمد بن حنبل )).

6- "المسند" لأبي يعلي الموصلي أحمد بن علي بن المثنى، ولد سنة عشر ومئتين، وارتحل في طلب الحديث وهو ابن خمس عشرة سنة، وعمِّر وتفرد ورحل إليه الناس. وتوفي سنة (307هـ) .أثنى عليه العلماء ووصفوه بالحفظ والإتقان والدين .

ليست هناك تعليقات: