معنى الرواية عند المحدثين: حمل الحديث ونقله وإسناده إلى من عُزيَ إليه بصيغة من صيغ الأداء.
ومعنى ((حمله ونقله )): أي تلقيه ثم تبليغه، فمن لم يُبلغ شيئاً لا يكون راوياً.
ومعنى (( وإسناده إلى من عُزِيَ إليه )) أي نسبته إلى قائله، فلو تحدث بالحديث ولم ينسبه إلى قائله، لم يكن ذلك رواية.
آداب المُحَدِّث والسامع
لما كان مقام التحديث مقاماً مهيباً لما فيه من الخلافة في التحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلذلك نبه العلماء على آداب خاصة، تتعلق بالمحدث وبطالب الحديث، ونحن نذكر أطرافاً من تلك الآداب إن شاء الله تعالى.
1- آداب المحدث:
أ- تصحيح نيته، وتطهير قلبه من أعراض الدنيا وأدناسها، وأغراضِ النفس ورعوناتها، كحب الرئاسة والسمعة. وأن يكون مقصوده من ذلك نشرَ الحديث، والتبليغَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، محتسباً بذلك أجره عند الله تعالى، لا يريد بذلك عرضاً دنيوياً، فإنما الأعمال بالنيات، وقد قال سفيان الثوري: قلت لحبيب بن أبي ثابت: حدِّثنا. قال: حتى تجيء النية. وقيل لأبي حفص سلاَّم بن سليم: حدثنا. قال: ليس لي نية. فقالوا له: إنك تؤجر فقال:
يمنونني الخير الكثير وليتني نجوت كفافاً، لا عليَّ ولا ليَ
قال الإمام النووي: وقد اختلف في السن الذي يتصدى فيه لإسماع الحديث؟ والصحيح: أنه متى احتيج إلى ما عنده جلس له، في أي سن كان، وينبغي أن يمسك عن التحديث إذا خشي التخليط بهرم أو خرف أو عمى، ويختلف ذلك باختلاف الناس .
ب_ وينبغي أن يكون المحدث: جميل الأخلاق، حسن الطريقة والشيمة، والأولى أن لا يحدث بحضرة من هو أولى منه لسنّه أو علمه أو غير ذلك.
ج- ويستحب إذا أراد حضور مجلس التحديث أن يتطهر بوضوء أو بغسل ويتنظف ويتطيب، ويستاك ويسرح لحيته، ويتمكن من جلوسه بوقار وهيبة. كما أسند البيهقي عن مالك أنه كان يفعل هذا فقيل له فقال: أحب أن أعظمَ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحدثَ إلا على طهارة متمكناً، وكان يكره أن يحدث في الطريق أو هو قائم. وروى البيهقي عن عدة من السلف أنهم كانوا يكرهون التحديث على غير طهارة.
وعن ابن المسيب: أنه سئل عن حديث وهو مضطجع في مرضه، فجلس وحدث به. فقيل له: وددت لك أنك لم تتعنَّ! فقال: كرهت أن أحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجع. وعن مالك أنه قال: مجالس العلم تحتضر بالخشوع والسكينة والوقار.
د- ويكره أن يقوم لأحد، فقد قيل: إذا قام قارىء الحديث لأحد فانه يكتب عليه خطيئة.
هـ- وينبغي الإنصات والسكينة في مجلس الحديث، فان رفع أحد صوته فانّ المحدث ينبغي له أن يزجره، كما كان الإمام مالك يفعل ذلك ويقول: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2] فمن رفع صوته عند حديثه صلى الله عليه وسلم فكأنما رفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم.
و- وينبغي للمحدث أن يقبل على الحاضرين كلِّهم، ويفتتح مجلسه ويختمه بتحميد الله تعالى، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ودعاء يليق بالحال، وذلك بعد قراءة قارىء حسن الصوت شيئاً من القرآن العظيم، فقد روى الحاكم عن أبي سعيد قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا تذاكروا العلم وقرؤوا سورة.
ز- وينبغي للمحدث أن لا يسرد الحديث على وجه يمنع من فهم بعضه، فكان مالك لا يستعجل ويقول: أحب أن أتفهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذلك لما جاء في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم. وزاد البيهقي: إنما كان حديثه فصلا تفهمه القلوب.
ح- ويستحب للمحدث: أن يعقد مجلساً كل أسبوع لإملاء الحديث، ويتخذ مستملياً محصّلاً يقظاً -أن احتاج- يبلِّغ عنه إذا كثر الجمع، فان كثر الجمع وزاد اتّخذ أكثر من مستملٍ حسب الحاجة، فقد أملى أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله ابن مسلم الكجي -نسبه إلى الكج وهو الجص، ويقال له الكشي نسبه إلى جده الأعلى- فانه لما أملى في رحبة غسان كان في مجلسه سبعةٌ مستملون يبلّغ كل منهم صاحبه الذي يليه، وحضر ذلك المجلس أربعون محبرة سوى النطَّارة.
وينبغي للمستملي: أن يستنصب الناس، ثم يقول للمحدث المملي: من ذكرت من الشيوخ؟ أو: ما ذكرت من الأحاديث؟ رحمك الله، أو رضي الله عنك، وما أشبه ذلك.
وأن يصلي المستملي بعد المملي على الرسول صلى الله عليه وسلم رافعاً صوته، كلما ذكر اسم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يترضّى عن الصحابي عند ذكر اسمه.
ط: ويحسن بالمحدث: أن يثني على شيخه حال الرواية بما هو أهله،كقول عطاء: حدثني الحبر البحر ابن عباس. وقول مسروق: حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله المبرأة. وقول شعبة: حدثني سيد الفقهاء أيوب. وكقول وكيع: حدثني سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث. ولا يذكر أحداً بلقب يكرهه إلا لقباً يميّزه عن الناس، مثل: غندر والأعمش والحناط، وإن كره الملَقَّب ذلك.
هناك تعليقان (٢):
بارك الله فيك
بارك الله فيكم و نفع بعلمكم
إرسال تعليق